اذهب الى الأسفل
اعصار
اعصار
الاوسمة : دراسات نحوية لأنماط الضمير ( إيَّا ) A3zz-c11
المساهمات : 241
نقاط : 456
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 13/08/2018
https://ahla-team.ahlamontada.com

GMT + 4 Hours دراسات نحوية لأنماط الضمير ( إيَّا )

الثلاثاء أغسطس 14, 2018 7:14 am
دراسات نحوية لأنماط الضمير ( إيَّا )
في القرآن الكريم

د. محمد عزيز عبد المقصود
الحمد لله الذي أنزل القرآن بلسان عربي مبين, وصلاة وسلامًا على أفصح الفصحاء, وأبلغ البلغاء سيدنا محمد بن عبد الله, وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد
فإن القرآن الكريم قد حظي بدراسات لغوية متنوعة, سواء كانت نحوية, أو صرفية, أو بلاغية, أو أدبية, أو غير ذلك, وكل هذه الدراسات إنما تصب في قالب واحد, وتسير في مجرة واحدة, ألا وهي الدراسات اللغوية القرآنية التي مهما تحدث فيها القدامى و المحدثون, ومهما لمسوا جوانب كثيرة من جوانب اللغة في القرآن الكريم, فإن لغة القرآن لا تنفد أبدا, وإنما يفتح هؤلاء أبوابا لهؤلاء؛ لينهلوا من معين واحد ألا وهو معين القرآن.
مما لاشك فيه أن الدراسات النحوية في القرآن الكريم, قد حظيت بمكانة كبيرة بين العلماء الدارسين للقرآن, وعكف هؤلاء وهؤلاء على استخراج جواهر نحوية من القرآن الكريم جعلت المكتبة النحوية زاخرة بمصنفات عظيمة, وأبحاث لها قدرها العلمي, ومكانتها العالمية.
إن دراسة الضمير" إيا " في القرآن الكريم لهي دراسة لها كيانها الخاص, وطابعها المتميز؛ حيث إنني أردت من هذه الدراسة الوقوف على علاقة السياق بعضه ببعض من استخدام الضمير " إيا ", مع مراعاة اللاحقة التي تلحقه من خطاب وتكلم وغيبة, وما يتركه استخدام هذا الضمير من معان متنوعة في سياقات مختلفة, والوقوف على هذه المعاني بالدرس والتحليل مع عرض جوانب بلاغية تخدم الدراسات النحوية لهذا الضمير، وذكر معان تفسيرية كذلك, ومن هنا جاء عنوان البحث" دراسات نحوية لأنماط الضمير " إيا " في القرآن الكريم.
وقمت في الدراسة بتصنيف جدول لمواضع الضمير " إيا " في القرآن الكريم, تناولت فيه مواضع مجيء هذا الضمير مع لاحقته في القرآن وتحليل هذا الأمر, وكذلك قمت بتصنيف جدول آخر تناولت فيه مواضع إعراب هذا الضمير, وأشرت في الدراسة إلى العلاقة بين استخدامات هذا الضمير عند النحويين واستخداماته في القرآن الكريم, وتحليل ذلك, وأشرت كذلك في نهاية الدراسة إلى أهم النتائج.
أردت من هذه الدراسة أن أنال شرف الدارسين الذين خاضوا هذا الخضم العظيم, وإن له لمهابة ترجف لها القلوب, وتحار فيها العقول, وكفى بالباحث شرفا أن وقعت عينه على لآلئ ثمينة, كان النظر إليها عبادة, وكتابتها سعادة, وبغيتي منها الإفادة, والله أسأل أن يعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما وزيادة.
" إيا " ضمير نصب منفصل تلحقه ياء المتكلم وكاف المخاطب وهاء الغائب وفروعها ، فنقول مع المتكلم: إياي، وإيانا، ومع المخاطب : إياكَ، إياكِ، إياكما، إياكم، إياكنَّ، وللغائب: إياه، إياها، إياهما، إياهم، إياهن "( 1).
وهناك خلاف بين النحويين حول " إيا " ولواحقه : هل الضمير هو مع لواحقه، أو هو وحده واللواحق حروف أو هو واللواحق أسماء أضيف هو إليها ، أو اللواحق وحدها وإيا زائدة لتتصل بها الضمائر؟ وذلك على النحو التالي(2 ):
ـ مذهب سيبويه أن الضمير هو " إيا " وحده، وما اتصل به حروف تبين أحوال الضمير من تكلم, وخطاب, وغيبة. وعزي إلى الأخفش , واختاره الفارسي .
ـ وذهب الفراء إلى أن هذه اللواحق هي الضمائر , وإيا دعامة زائدة تعتمد عليها الضمائر.
ـ وذهب الزجاج إلى أن اللواحق ضمائر موافقا بذلك الفراء، إلا أنه قال: إن "إيا " اسم ظاهر أضيف إلى اللواحق ، فهي في موضع جر به.(3 )
ـ وذهب ابن درستويه إلى أن " إيا " بين الظاهر والمضمر.
ـ وذهب الكوفيون غير الفراء إلى أنه بجملته هو الضمير يعني " إيا " ولواحقه, وهناك رأي آخر للكوفيين يرى أن " إيا " دعامة, واللواحق هي الضمائر.
ـ وذهب الخليل والأخفش والمازني فيما نقله ابن مالك واختاره إلى: أن " إيا" ضمير، وأن اللواحق ضمائر أضيفت إليها " إيا ".
ـ وذهب الخليل فيما ذكره ابن عصفور إلى أن " إيا " اسم ظاهر, واللواحق ضمائر أضيف إليها " إيا ", فهن في موضع خفض بالإضافة .
والذي نميل إليه من الآراء السابقة ما ذهب إليه سيبويه ومن نحا نحوه؛ لأن اللاحقة في " إيا " كاللاحقة في : أنت, وأنتما , وأنتم، وأنتن ، وكاللواحق في اسم الإشارة.( 4)
لغاته: ذكر أبو حيان عدة لغات لـ " إيا" نوجزها فيما يلي (5 )
ـ لغة بكسر الهمزة وتشديد الياء " إيّا "، وبها قرأ الجمهور.
ـ لغة بفتح الهمزة وتشديد الياء, " أيّا "، وبها قرأ الفضل الرقاشي.
ـ لغة بكسر الهمزة وتخفيف الياء, " إيا " وبها قرأ عمرو بن فائد عن أبي.
ـ لغة بإبدال الهمزة المكسورة هاء. " هِيا ".
ـ لغة بإبدال الهمزة المفتوحة هاء، " هَيا " وبذلك قرأ " ابن السّوَّار الغَنَوي".
وذكر ابن مالك أنه يقال بكسر الهاء وتشديد الياء، " هِيّا ".( 6)
ومن صور استخدامات الضمير " إيا " الصورة المستخدمة مع أسلوب التحذير, لكنها لم تستخدم في القرآن الكريم.

السورة الآية رقمها اللاحقة
الفاتحة إياك نعبد وإياك نستعين .....5..... كَ
النساء ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله.... 131.... كم
الإسراء ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم...... 31..... كم
العنكبوت وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم...... 60...... كم
سبأ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين..... 24...... كم
سبأ أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون...... 40...... كم
الممتحنة يخرجون الرسول وإياكم...... 1...... كم
البقرة واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون...... 172...... هـ
الأنعام بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه...... 41..... هـ
التوبة وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه..... 114...... هـ
يوسف إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه .....40..... هـ
النحل واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون..... 114..... هـ
الإسراء وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ......23...... هـ
الإسراء وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه.... 67...... هـ
فصّلت واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون...... 37...... هـ
الأنعام ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم .......151...... هم
البقرة وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ...... 40..... ي
البقرة ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون...... 41....... ي
الأعراف قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي..... 155....... ي
النحل إنما هو إله واحد فإياي فارهبون..... 51 ......ي
العنكبوت يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون..... 56...... ي
يونس وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون...... 28..... نا
القصص ما كانوا إيانا يعبدون..... 63..... نا

الرقم السورة عدد مرات ذكر الضمير
1 الفاتحة 2
2 البقرة 3
3 النساء 1
4 الأنعام 1
5 الأعراف 2
6 التوبة 1
7 يونس 1
8 يوسف 1
9 النحل 2
10 الإسراء 3
11 القصص 1
12 العنكبوت 2
13 سبأ 2
14 فصلت 1
15 الممتحنة 1
الجملة 15 24

ملاحظات عامة على ما سبق:
ـ ورد الضمير " إيا " مع لواحقه أربعا وعشرين مرة في القرآن الكريم في خمس عشرة سورة.
ـ ورد الضمير " إيا " مع لاحقة المخاطب ثماني مرات، مرتين مع لاحقة المفرد المخاطب " كَ "، وست مرات مع لاحقة جمع المخاطب " كم ".
ـ ورد الضمير " إيا " مع لاحقة الغائب تسع مرات، ثمانٍ منها مع لاحقة المفرد الغائب " هـ "، ومرة واحدة مع لاحقة جمع الغائب " هم ".
ـ ورد الضمير " إيا " مع لاحقة المتكلم سبع مرات، خمس منها مع لاحقة المفرد المتكلم " ي "، ومرتين مع لاحقة جمع المتكلم " نا "
الآية الضمير إعرابه
إياك نعبد وإياك نستعين إياك مفعول به مقدم
ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله وإياكم معطوف على الاسم الموصول
ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم وإياكم معطوف على الضمير " هم "
وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وإياكم معطوف على الضمير "ها "
وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين إياكم معطوف على الضمير " نا "
أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون إياكم مفعول به مقدم
يخرجون الرسول وإياكم إياكم معطوف على اسم ظاهر
واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون إياه مفعول به مقدم
بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إياه مفعول به مقدم
وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه إياه مفعول به ثان
إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه إياه مفعول به بعد إلا
واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون إياه مفعول به مقدم
وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه إياه مفعول به بعد إلا
وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه إياه مستثنى بإلا
واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون إياه مفعول به مقدم
ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم إياهم معطوف على الضمير " كم "
وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون إياي مفعول به مقدم
ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا وإياي فاتقون إياي مفعول به مقدم
قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي إياي معطوف على الضمير " هم "
إنما هو إله واحد فإياي فارهبون إياي مفعول به مقدم
يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون إياي مفعول به مقدم
وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون إيانا مفعول به مقدم
ما كانوا إيانا يعبدون إيانا مفعول به مقدم
ملاحظات عامة على الجدول السابق:
ـ ورد الضمير " إيا " ثلاث عشرة مرة مفعولا به مقدما.
ـ ورد الضمير " إيا " مرتين مفعولا به بعد الفعل.
ـ ورد الضمير " إيا " مرة واحدة مفعولا به ثانيا.
ـ ورد الضمير " إيا " سبع مرات معطوفا ، وجاء المعطوف عليه مرة اسما موصولا، ومرة اسما ظاهرا، وخمس مرات ضميرا، وجاءت أداة العطف بين المعطوف والمعطوف عليه ست مرات حرف الواو، ومرة حرف أو.
ـ ورد الضمير " إيا " مرة واحدة مسثنى بإلا.
( إيّاكَ نعْبدُ وإيّاكَ نستعينُ )
الأصل " نعبدك ونستعين بك "، فلما أراد الاعتناء والاهتمام بالمفعول قدم، فصار: " إياك نعبد وإياك نستعين ". ويجوز أن يعدى " استعان " بنفسه وبالباء.( 7)
يقول أبو حيان:" سب أعرابي آخر فأعرض عنه , وقال: إياك عني, فقال له: وعنك أعرض, فقدما الأهم ".(8 )
ويلاحظ أن الفعل المستخدم مع العبادة والاستعانة هو المضارع " نعبد " و " نستعين " الدال على التجدد والاستمرار, والفاعل مع هذين الفعلين ضمير مستتر تقديره " نحن ", وأتى هذا الفاعل بصيغة ضمير المتكلمين ولم يأت ـ مثلا ـ بصيغة الإفراد " أعبد وأستعين "، وهذا دليل على أن العبادة لله تعالى لا تتأتى بصورتها المتكاملة للمسلم إلا في سياق جماعة مسلمة لا منفردة.
فإن قيل: لم كرر الضمير " إياك "؟ قيل: " كرر " إياك " ؛ ليكون كل من العبادة والاستعانة سيقا في جملتين ، وكل منهما مقصود, وللتنصيص على طلب العون منه، بخلاف لو كان" إياك نعبد ونستعين "، فإنه كان يحتمل أن يكون إخبارا بطلب العون، أي وليطلب العون من غير أن يعين ممن يطلب ".( 9)

(ولقدْ وصّينا الذين أوتوا الكتابَ منْ قبْلِكم وإيّاكم أنِ اتَّقوا الله)( 10)
يلاحظ أن الضمير " إيا " في هذه الآية ورد معطوفا على اسم ظاهر هو الاسم الموصول " الذين " وحرف العطف المستخدم" و" الدالة على الجمع المطلق بين المتعاطفين(11 ), وهذا المعنى يتناسب مع سياق الآية ومعناها؛ فتقوى الله وعبادته قضية رئيسة تجمع بين الأمم كلها أمر بها الأنبياء جميعا, وهذا العطف رد على من قيّد عطف الضمير المنفصل على الاسم الظاهر بالشعر، " بل من موجب انفصال الضمير كونه يكون معطوفا ، فيجوز: قام زيد وأنت, وخرج بكر وأنا لا خلاف في جواز ذلك، فكذلك ضربت زيدا وإياك".(12 )
( ولا تَقْتُلوا أوْلادَكُم خشيةَ إمْلاق نحْنُ نَرْزقُهم وإيّاكُم )( 13)
يلاحظ هنا أن الضمير " إيا " عطف على الضمير " هم " الذي محله المفعول به ، وظاهر التركيب أن الآباء موسرون وأن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدئ فيه بقوله " نحن نرزقهم " إخبارا بتكفله تعالى برزقهم، فلستم أنتم رازقيهم ".( 14)
والآية تطمئن الآباء أن الله تعالى وحده لا غيره هو المتكفل برزق الأولاد لا أنتم أيها الآباء فلم الخوف من الفقر إذن؟
ويلاحظ أنه عبر بالجملة الاسمية " نخن نرزقهم " الدالة بمعناها على الاستمرارية, وكذلك استخدم الفعل المضارع " نرزقهم " الدال على التجدد والاستمرار, وهذا يتلاءم مع المعنى المراد من الآية, فالله عز وجل لم يضمن للآباء الرزق فقط, لكنه ضمن لهم استمراريته, وتجدده
والتفكير في القتل في سياق هذه الآية ليس لأن الآباء فقراء، ولكنهم يتوقعون الفقر وإن كانوا أغنياء، وهذا دليل على ضعف النفس البشرية التي ـ وإن ضمن لها الله عز وجل رزقها ـ تُشغل بطلب ما قد ضمن لها عما خلقت من أجله.
( وَكأيّنٍ منْ دابةٍ لا تحْمِلُ رزقَها اللهُ يرزقُها وإيّاكُم )( 15)
جاء التركيب " الله يرزقها وإياكم " عطف الضمير " إيا " على ضمير المفردة الغائبة " ها ", ونلاحظ في الآية هنا أن كلمة " دابة " أتت نكرة دالة على الشمول والعموم ، فهي شاملة بجنسها أي حيوان مهما كان صغيرا أو كبيرا , واتت جملة " لا تحمل رزقها " في موضع صفة لهذه الدابة، فهذه الدابة ليست قادرة على حمل رزقها " إما لضعفها وعجزها عن ذلك وإما لكونها خلقت لا عقل لها فيفكر فيما يخبؤه للمستقبل، أي يرزقها على ضعفها ".( 16)
وقوله تعالى" الله يرزقها " جملة اسمية دالة على الاستمرارية، أي استمرارية رزق الله تعالى لهذه الدابة , ونلاحظ أن جملة " الله يرزقها " لا يوجد بينها وبين جملة " لا تحمل رزقها " أي وسيلة من وسائل العطف، فالمعنى : أن الله تعالى لم يدع مجالا لأحد حتى يفكر في كيفية تدبير رزق هذه الدابة ، وهذا يناسب المعنى المراد من عطف الضمير " وإياكم " على محل ضمير الدابة " ها " فالذي شغل نفسه برزق هذه الدابة بصفتها هذه أليس قادرا على تدبير رزقكم وحفظه لكم؟
ولذلك جاء التركيب" الله يرزقها وإياكم " ولم يقل:" الله يرزقكم وإياها "
ويلاحظ كذلك أن الدابة ليس لها عقل تفكر به؛ كي تدخر ـ مثلا ـ شيئا للمستقبل، وأنتم لكم عقول وتدخرون ومع ذلك تخشون الفقر، وفي هذا بعد عن فهم حسن التوكل على الله تعالى ، أليس هو القائل " ومن يتوكل على الله فهو حسبه ".( 17)
( وإنّا أو إيّاكُم لَعلى هدىً أو في ضلالٍ مُبين )( 18)
يلاحظ في التركيب " وإنا أو إياكم " أن الضمير " إيا " عطف على الضمير " نا" الذي في محل نصب اسم إن، والمراد بالضمير"نا ": الموحدون الرازق العابدون ، والمراد بالضمير " إياكم ": المشركون العابدون الأصنام والجمادات.
فإن قيل: كيف يعطف الثاني بمعناه هذا على الأول بمعناه هذا ، علما بان من معاني " أو " التخيير ؟ ( 20)
قلت: قال أبو حيان:" المعنى أن أحد الفريقين منا ومنكم لعلى أحد الأمرين من الهدى والضلال ، أخرج الكلام مخرج الشك والاحتمال، ومعلوم أن من عبد الله ووحّده هو على الهدى, وأن من عبد غيره في ضلال.. وهذا النوع يسمى في علم البيان استدراج المخاطب, يذكر له أمرا يسلمه وإن كان بخلاف ما ذكر؛ حتى يصغي إلى ما يلقيه إذ لو بدأ به بما يكره لم يصغ، ولا يزال ينقله من حال إلى حال؛ حتى يتبين له الحق ويقبله، وهنا لما سمعوا الترداد بينه وبينهم، ظهر لهم أنه غير جازم أن الحق معه، فقال لهم بطريق الاستدلال: إن آلهتكم لا تملك مثقال ذرة, ولا تنفع, ولا تضر؛ لأنها جماد وهم يعلمون ذلك، فتحقق أن الرازق لهم, والنافع والضار هو الله سبحانه ".( 21)

ويلاحظ كذلك أن الضمير " نا " قدم على الضمير " إيا " ، لمناسبة هذا الاستدراج ؛ كي يضمن أنه يتفق معه على شيء وإن الأصل خلاف ما ذكر, وفي هذا لمسة من لمسات كيفية الدعوة إلى الله تعالى, فهذه دعوة كلها حكمة وموعظة حسنة، كما قال تعالى:" ادْعُ إِلَى سَبيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجادِلْهُمْ بِالّتي هِيَ أَحْسَنُ ".( 21)
وليت الداعين إلى الله تعالى يستخدمون هذه الملكة في دعوتهم؛ حيث إن هذا المنهج يعتمد على مخاطبة العقل وإجراء حوارات معه, وهو ـ كما سلف ـ يعتمد على استدراك المخاطب لأجل إقناعه بشيء ما.
وإن قيل: لم عبّر باللام في قوله " لعلى هدى ", ولم تلحق قوله " في ضلال مبين "؟ قلت: لأنه على يقين بأن الفئة التي مع الله هي على الحق, وليس في حاجة إلى تأكيد أن الفئة الضالة هي على الباطل.
(ويومَ يَحْشُرهُم جميعًا ثُمَّ يقولُ للملائكةِ أَهؤلاءِ إيّاكُم كانوا يَعْبدون )( 22)
في التركيب السابق" أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون " كلمة "هؤلاء " تعرب مبتدأ ، خبره جملة " إياكم كانوا يعبدون " ، وإياكم مفعول به مقدم للفعل " يعبدون "، والأصل " أهؤلاء كانوا يعبدونكم "، ولما تقدم انفصل ، وإنما قدم؛ لأنه أبلغ في الخطاب، ولكون " يعبدون "فاصلة.., واستدل بتقديم هذا المعمول على جواز تقديم خبر كان عليها إذا كان جملة, وهي مسألة خلاف، أجاز ذلك ابن السراج، ومنع ذلك قوم من النحويين، وكذلك منعوا توسطه إذا كان جملة، وقال ابن السراج(23 ):" القياس جواز ذلك ، ولم يسمع ", ووجه الدلالة من الآية أن تقديم المعمول مؤذن بتقديم العامل، فكما جاز تقديم " إياكم "جاز تقديم " يعبدون ", وهذه القاعدة ليست مطردة, والأولى منع ذلك إلى أن يدل على جوازه سماع من العرب ".( 24)
وتقديم معمول الفعل في خبر كان عليها لم يرد في القرآن الكريم إلا في هذا الموضع.
وأقول : الراجح في هذه المسألة أنه ما دام ورد شاهد في القرآن على تقديم معمول الفعل في خبر كان عليها فهذا جائز, لكنه لم يسمع عن العرب , وحجة عدم سماعه عن العرب ليست دليلا على عدم جوازه؛ لأنه مستخدم في القرآن, ولكن إذا سمع عن العرب ما يؤيد هذا الوجه فالأولى عدم منعه؛ حتى يتسنى لنا الوقوف على معان جديدة.
وكون بعض النحويين يمنع ذلك فإن ذلك فوّت عليهم كثيرا من الدلالات النحوية والبلاغية كانت سياقات كثيرة تحتملها.
( يُخْرِجونَ الرَّسولَ وإيّاكُم )( 25)
في التركيب السابق الضمير" إياكم " معطوف بالواو على اسم ظاهر "الرسول " , " وقدم على إياكم الرسول ؛ لشرفه , ولأنه الأصل للمؤمنين به, ولو تقدم الضمير لكان جائزا في العربية ".( 26)

( يأيّها الّذين آمَنوا كُلوا منْ طيّبات ما رزقْناكُم واشْكُروا للهِ إنْ كُنْتُم إيّاه تَعْبُدون ).(27 )
في التركيب السابق ورد الضمير " إيا " مفعولا به مقدما ومعمولا للفعل " تعبدون " ، وورد متوسطا بين كان وخبرها الجملة الفعلية.
يقول أبو حيان:" وإيا هنا مفعول مقدم , وقدم لكون العامل فيه وقع رأس آية, وللاهتمام به والتعظيم لشأنه؛ لأنه عائد على الله تعالى ".(28 )
ونظرا لأن الشكر لله واجب؛ لذا فهو يعد رأس العبادات, والمعنى " اشكروا لله إن كنتم تريدون عبادته ".(29 )
( قلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتاكُم عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقينَ بَلْ إِيّاهُ تَدْعونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعونَ إِلَيْهِ إِنْ شاء )(30 )
جاء الضمير " إيا " مفعولا به مقدما على عامله " تدعون " , ومجيئه هنا مقدما على فعله دليل على الاعتناء بذكر المفعول, ويفهم من سياق الآية أن هناك اختصاصا وحصرا لله تعالى.
" وبل هنا للإضراب والانتقال من شيء إلى شيء من غير إبطال لما تضمنه الكلام السابق من معنى النفي؛ لأن معنى الجملة السابقة النفي, وتقديرها: "ما تدعون أصنامكم لكشف العذاب ".( 31)

( وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهيمَ لأَبيْهِ إِلّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيّاهُ )( 32)
في التركيب السابق جاء الضمير " إيا " مفعولا به ثانيا للفعل وعد, ونلاحظ هنا أن الضمير " إيا " جاء على أصله ، فلم يتقدم على عامله؛ لأنه ليس هناك داع للتقديم.
ويجوز في التركيب " وعدها إياه " أن يعود الضمير " إياه " على والد إبراهيم مرة, وعلى إبراهيم مرة أخرى.
يقول صاحب الكشاف في عودة الضمير " إيا " على والد إبراهيم:" وعدها إبراهيم أباه, وهو قوله" لأستغفرن لك " , ويدل عليه قراءة الحسن وحماد الراوية " وعدها أباه ".( 33)
ويقول أبو حيان:" والضمير الفاعل في " وعدها " عائد على إبراهيم, وكان أبوه بقيد الحياة, فكان يرجو إيمانه , فلما تبين له من جهة الوحي من الله أنه عدو لله وأنه يموت كافرا, وانقطع رجاؤه منه تبرأ منه وقطع استغفاره, ويدل على أن الفاعل في " وعد " ضمير يعود على إبراهيم قراءة الحسن وحماد الراوية ابن السميفع وأبي نهيك, ومعاذ القارئ " وعدها أباه ".(34 )
وفي عود الضمير " إيا " على إبراهيم , يقول أبو حيان:"وقيل: الفاعل ضمير والد إبراهيم, وإياه ضمير إبراهيم, وعده أبوه أنه سيؤمن فكان إبراهيم قد قوي طمعه في إيمانه, فحمله ذلك على الاستغفار له حتى نهي عنه ".(35 )
ومن جملة ما سبق نستنتج أنه على اعتبار الضمير " إيا " عائدا على والد إبراهيم ، فالمعنى: موعدة وعدها إبراهيم أباه, وعلى اعتبار الضمير " إياه " عائدا على إبراهيم ، فالمعنى: موعدة وعدها والد إبراهيم إبراهيم , والسياق يحتمل المعنيين.

( إِنِ الْحُكْمُ إِلّا لِلّهِ أَمَرَ أَلّا تَعْبُدوا إِلّا إِيّاهُ )( 36)
في التركيب السابق نلاحظ أن الضمير " إيا " ورد في سياق الاستثناء المفرغ الذي أداته " لا .. إلا " , وموقع الضمير " إيا " مفعول به, والمراد في الآية قصر العبادة وحصرها على الله تعالى وحده لا غيره. ومجيء الضمير بهذه الصورة أفضل من غيرها، فمثلا لم يقل: " إن الحكم إلا لله أمر إياه أن تعبدوا "؛ وذلك لأن في استخدام حرف النفي " لا " مع أداة الاستثناء " إلا " تقوية للمعنى المراد ونفي مطلق للعبادة عن غير الله, وإثباتها لله تعالى, وكذلك مناسبة لسياق الآية؛ حيث استخدم أسلوب الاستثناء من قبل" إن الحكم إلا لله ", والمعنى" ليس لكم ولا لأصنامكم حكم, ما الحكم في العبادة والدين إلا لله, ثم بين ما حكم به فقال:" أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ".( 37)

( وَاشْكُروا نِعْمَةَ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدون )( 38)
في التركيب السابق قدم الضمير " إيا " الواقع مفعولا به والعائد على لفظ الجلالة " الله " على معموله " تعبدون " الواقع خبرا لكان, وقد توسط هذا الضمير بين كان وخبرها الجملة الفعلية.
وسبق الحديث عن سبب تقديم الضمير هنا على عامله كما في آية البقرة.(39 )
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدوا إِلّا إِيّاهُ )(40 )
سبق الحديث عن مثل هذا التركيب كما في سورة يوسف(41 ).
( وَإِذا مَسّكُمُ الضُّرُّ في الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعونَ إَلّا إِيّاهُ ).(42 )
في التركيب السابق ورد الضمير " إيا " في سياق أسلوب الاستثناء , وقيل في نوع هذا الاستثناء : إنه استثناء منقطع , وقيل: إنه استثناء متصل .
يقول أبو حيان:" قال الزجاج.. والظاهر أن إلا إياه استثناء منقطع؛ لأنه لم يندرج في قوله: من تدعون, إذ المعنى، ضلت آلهتهم، أي معبوداتهم, وهم لا يعبدون الله, وقيل: هو استثناء متصل , وهذا على معنى ضل من يلجؤون إليه, وهم كانوا يلجؤون في بعض أمورهم إلى معبوداتهم, وفي هذه الحالة لا يلجؤون إلا إلى الله ".(43 )
( وَاسْجُدوا لِلّهِ الّذي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدون )(44 )
سبق الحديث عن مثل هذا التركيب في آية البقرة.( 45)
( وَلا تَقْتُلوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيّاهُمْ )( 46)
جاء الضمير " إيا " معطوفا بحرف العطف " الفاء " على محل الضمير "كم" , ومحله النصب.
وظاهر التركيب كما في سياق هذه الآية أن الآباء ليسوا موسرين, ويخافون على أنفسهم الفقر؛ لذلك فخوف الفقر علة لقتل أولادهم, دل على ذلك إذا علمنا أن "من" هنا سببية، أي : بسبب الفقر, وكذلك جاء التعبير القرآني " نحن نرزقكم " ( خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق , وإحالة الرزق على الخلاق الرازق، ثم عطف عليهم الأولاد ).(47 )
ويلاحظ كذلك أن التعبير بالجملة الاسمية " نحن نرزقكم " يتناسب مع سياق الآية من إفادة معنى الاستمرارية في ضمان رزق الآباء وأولادهم.
( وَأَوْفوا بِعَهْدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيّايَ فَارْهَبون )( 48)
في التركيب السابق ورد الضمير " إيا " منصوبا بفعل محذوف مقدرا بعده لانفصال الضمير, وإياي ارهبوا, وحذف لدلالة ما بعده عليه.. وفي مجيئه نصب مناسبة لما قبله؛ لأن قبله أمرا؛ ولأن فيه تأكيدا إذ الكلام مفروغ في قالب جملتين, ولو كان ضمير رفع لجاز لكن يفوت هذان المعنيان, وحذفت الياء ضمير النصب من " فارهبون "؛ لأنها فاصلة".( 49)
وأما عن الفاء في قوله:" فارهبون " فهي واقعة في جواب أمر مقدر, والتقدير: تنبهوا فارهبون ".(50 )
وبناء على ما سبق يكون التقدير: وإياي ارهبوا تنبهوا فارهبون ".
ومعنى " فارهبون " في الآية: أن لا تنقضوا عهدي وفي الأمر بالرهبة وعيد بالغ".(51 )
وقدم الضمير " إيا" على الفعل "ارهبوا" مع لاحقة المفرد المتكلم"ي " ليؤكد أن انفراد الله بالخشية ناتج عن انفراده بالقدرة على الإيجاد.
وكذلك لمناسبة سياق الآية من قبل؛ حيث الأمر أمر شديد , ألا وهو أمر الوفاء بالوعد, ولولا أنه أمر ثقيل لما ناسبه هذا التركيب.
( وَلا تَشْتَروا بِآياتي ثَمَنًا قَليْلًا وَإِيّايَ فَاتّقون )(52 )
سبق الحديث عن مثل هذا التركيب في آية البقرة السابقة.( 53)
والتقدير: وإياي اتقوا تنبهوا فاتقون ", والمعنى:" واتقون إن لم تؤمنوا بما أنزلت , وإن اشتريتم بآياتي ثمنا قليلا ".(54 )


( قالَ رَبّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مَنْ قَبْلُ وَإِيّاي )( 55)
في التركيب السابق ورد الضمير " إيا " معطوفا على محل الضمير"هم" ومحله النصب، وعطف الضمير مما يوجب فصله.
وإن قيل: لم بدأ بضميرهم في قوله:" أهلكتهم " ولم يبدأ به , فمثلا لم يقل: أهلكتني من قبل وإياهم "؟
قلت:" بدأ بضميرهم؛ لأنهم الذين أخذتهم الرجفة, فماتوا أو أغمي عليهم, ولم يمت هو, ولا أغمي عليه, ولم يكتف بقوله" أهلكتهم من قبل " حتى أشرك نفسه فيهم, وإن لم يشركهم في مقتضى الإهلاك, تسليما منه لمشيئة الله تعالى وقدرته, وأنه لو شاء إهلاك العاصي والطائع لم يمنعه من ذلك مانع ".(56 )
والضمير " إيا " ورد خمس مرات في القرآن الكريم مع لاحقة المفرد المتكلم " ي " منها أربع مرات عائد على لفظ الجلالة الله, ومرة عاد على موسى , وفي هذا الموضع خضوع وإذلال لله رب العالمين , وتسليم بقدرته ومشيئته جلا وعلا .
( إِنّما هُوَ إِلَهٌ واحِدٌ فَإِيّايَ فارْهَبون )(57 )
سبق الحديث عن مثل هذا التركيب في آية البقرة السابقة.(58 )
نلاحظ في التركيب السابق أن هناك التفاتا من الغيبة "هو" إلى التكلم"ي"في الضمير"فإياي"؛ لأنه أبلغ في الرهبة, وانتصب " إياي " بفعل محذوف مقدر التأخير عنه يدل عليه " فارهبون ", وتقديره: وإياي ارهبوا ".( 59)
( يا عِبادي الّذينَ آمَنوا إِنّ أَرْضي واسِعَةٌ فإِيّايَ فاعْبُدون )(60 )
سبق الحديث عن مثل هذا التركيب في آية البقرة السابقة.(61 )
والتقدير: وإياي اعبدوا تنبهوا فاعبدون . وفي تقديم المفعول معنى الاختصاص والإخلاص, وهذا المعنى مستفاد من قوله:" إن أرضي واسعة "؛ لأن المعنى: إن أرضي واسعة فإن لم تخلصوا العبادة في أرض فأخلصوها في غيرها ".(62 )

( ما كُنْتُم إيّانا تَعبُدون )( 63)
يلاحظ أن في التركيب السابق أن الضمير " إيانا " قدم على عامله في سياق خبر كان الجملة المسبوقة بنفي, وقد توسط الضمير هنا بين كان وخبرها , والمعنى في الآية" إنكم كنتم تعبدون من أمركم أن تتخذوا لله تعالى أندادا, فأطعتموهم, ولما تنازعوا استشهد الشركاء بالله تعالى ".(64 )
فالكون المنفي , وتقديم معمول الفعل تعبدون " إيا " يناسب سياق الآية, فأتى بالضمير " إيا "بعد " ما كنتم " مباشرة دون فصل؛ ليؤكد تبرؤ الشركاء مما نسبه إليهم المشركون من عبادتهم, ودليل ذلك أنهم لما تنازعوا ـ أي المشركون والشركاء ـ استشهد الشركاء بالله تعالى " ؛ لذا كان تقديم الضمير أفضل من تأخيره, فلم يقل:" ما كنتم تعبدوننا ".

( ما كانُوا إيّانا يَعْبدون )( 65)
في التركيب السابق ورد الضمير " إيا "بعد كون منفي مقدما على عامله " يعبدون " , " و" إيانا " مفعول " يعبدون " لما تقدم انفصل، وانفصاله لكون" يعبدون"فاصلة, ولو اتصل ثَمَّ لم يكن فاصلة ".( 66)
يقول الزمخشري:" إنما كانوا يعبدون أهواءهم , ويطيعون شهواتهم, وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى ".( 67)

نتائج البحث
من خلال القراءة السابقة لأنماط الضمير " إيا " في القرآن الكريم يمكن استنتاج ما يلي:
1ـ أن الضمير " إيا " لعب دورا بارزا في إضفاء معان متنوعة في سياقات مختلفة.
2ـ أن اللاحقة المستخدمة مع الضمير " إيا " سواء كانت للتكلم, أو الغيبة, أو الخطاب كان لها أثر كبير في تفسير مواضع كثيرة من القرآن الكريم, وأعطت السياق مكانة كبيرة لتفسير كثير من المواضع المتشابهة.
3ـ أن الضمير " إيا " الوارد في جملة خبر كان لم يرد مقدما على كان ومعمولها في القرآن الكريم إلا في موضع واحد , وذلك فـي قوله تعالى : " أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ", ومنع ذلك قوم من النحويين, وفي منعهم هذا فوّت عليهم كثيرا من الدلالات النحوية والبلاغية كانت سياقات كثيرة تحتملها.
4ـ أن الضمير " إيا " ورد معطوفا في القرآن الكريم مرة على الاسم الظاهر, ومرة على الاسم الموصول, ومرة على الضمير, وهذا يتناسب مع ما أشار إليه النحاة مع خلافهم.
5ـ أن الضمير " إيا " الوارد في سياق العطف في القرآن الكريم لم يرد إلا معطوفا على ما قبله , فلم يرد أن عُطِف عليه اسم ظاهر, أو اسم موصول, أو ضمير , وإن جاز نحويا.
6ـ أن صورة الضمير " إيا " المستخدمة في أسلوب التحذير لم تستخدم في القرآن الكريم.

مراجع البحث
ـ القرآن الكريم.
1ـ أمالي ابن الشجري.
لهبة الله بن علي بن محمد بن حمزة الحسني العلوي ـ المتوفى 542هـ تحقيق الدكتور محمود محمد الطناحي ـ طبعة مكتبة الخانجي 1992م.
2ـ الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين البصريين والكوفيين.
لكمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري النحوي المتوفى 577هـ ـ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ـ طبعة المكتبة العصرية 1993م.
3ـ البحر المحيط.
لمحمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي المتوفى 745هـ ـ دراسة وتحقيق وتعليق : الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد معوض وآخرين ـ الطبعة الأولى ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ـ 1993م
4ـ حاشية الصبان على شرح الأشموني على ألفية ابن مالك ـ بدون تحقيق ـ دار إحياء الكتب العربية.
5ـ دراسات البصريين لحروف المعاني في كتاب الجنى الداني. لحسن بن قاسم المرادي المتوفى 749هـ ـ رسالة ماجستير ـ كلية دار العلوم ـ جامعة القاهرة ـ فرع الفيوم ـ لمحمد عزيز عبد المقصود ـ 2001م
6ـ ارتشاف الضرب من لسان العرب.
لمحمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي المتوفى 745هـ ـ تحقيق الدكتور رجب عثمان محمد ـ الطبعة الأولى 1998م ـ مكتبة الخانجي بالقاهرة.
7ـ سر صناعة الإعراب.
لأبي الفتح عثمان بن جني المتوفى 392هـ ـ دراسة وتحقيق الدكتور حسن هنداوي ـ الطبعة الثانية 1993م ـ دار القلم ـ دمشق.
8ـ شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك.
لبهاء الدين عبد الله بن عقيل العقيلي الهمداني المصري المتوفى 769هـ ـ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ـ طبعة المكتبة العصرية 1997م.
9ـ شرح التسهيل.
لابن مالك جمال الدين محمد بن عبد الله بن عبد الله الطائي الجياني الأندلسي المتوفى 672 هـ ـ تحقيق الدكتور عبد الرحمن السيد ـ الدكتور محمد بدوي المختون ـ الطبعة الأولى 1990م ـ دار هجر.
10ـ شرح التصريح على التوضيح.
للشيخ خالد الأزهري ـ طبعة مكتبة دار الفكر ـ بون تحقيق.
11ـ شرح الرضي على الكافية.
تصحيح وتعليق يوسف حسن عمر ـ طبعة جامعة قاريونس 1978م
12ـ شرح المفصل.
لموفق الدين يعيش بن علي بن يعيش النحوي المتوفى 643 هـ ـ بدون تحقيق ـ طبعة مكتبة المتنبي بالقاهرة 1990م
13ـ الكتاب.
لأبي بشر عمرو بن عثمان بن قنبر المتوفى 180هـ المشهور بسيبويه ـ تحقيق عبد السلام محمد هارون ـ الطبعة الثالثة 1988م ـ مكتبة الخانجي بالقاهرة.
14ـ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل.
لأبي القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي المتوفى 538هـ ـ دار الفكرـ القاهرة ـ بدون تحقيق.
15ـ معاني القرآن وإعرابه.
لأبي إسحاق إبراهيم بن السَّري المتوفى 311هـ المشهور بالزجاج ـ شرح وتحقيق دكتور عبد الجليل عبده شلبي ـ الطبعة الأولى ـ دار الحديث ـ 1994م.
16ـ معجم الأدوات والضمائر في القرآن الكريم.
للدكتور إسماعيل أحمد عمايره , والدكتور عبد الحميد مصطفى السيد ـ الطبعة الثانية 1988م ـ مؤسسة الرسالة.
17ـ النحو الوافي.
لعباس حسن ـ الطبعة الحادية عشرة ـ دار المعارف.
18ـ همع الهوامع في شرح جمع الجوامع.
لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي المتوفى 911هـ ـ تحقيق أحمد شمس الدين ـ الطبعة الأولى 1998م ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان.
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى