اذهب الى الأسفل
اعصار
اعصار
الاوسمة : دراسة النواسخ في ضوء رؤية جديدة A3zz-c11
المساهمات : 241
نقاط : 456
السٌّمعَة : 5
تاريخ التسجيل : 13/08/2018
https://ahla-team.ahlamontada.com

دراسة النواسخ في ضوء رؤية جديدة Empty دراسة النواسخ في ضوء رؤية جديدة

الثلاثاء أغسطس 14, 2018 7:24 am
دراسة النواسخ في ضوء رؤية جديدة
النسخ في اللغة بمعنى الإزالة والتغيير، فنسخ الآية بالآية إزالة حكمها، والنسخ في اصطلاح النحو العربي هو: نسخ الإعراب، والذي يقصد به ما يطرأ على الكلمات من تغيير للحركة الإعرابية من جهة، وفقد للصدارة في المسند إليه في الجملة الاسمية من جهة أخرى؛ نتيجة دخول عناصر تحويلية على الجملة سميَّت بالنواسخ، أو هي "دخول عناصر لغوية على جملة المبتدأ والخبر، ونسخها أهم حكم من أحكامها، وهو إعراب المبتدأ، والخبر، أو هما معاً".
وما تجدر إليه الإشارة أنَّ مصطلح النسخ دخل الفكر النحوي نتيجة تأثر النحويين بأهل الكلام والفقهاء فهو في الأصل من مصطلحات الفقهاء والمتكلمين، واستفاد منه النحويون وأدخلوه في دراستهم النحوية وأسَّسوا عليه مجموعة من الأبواب أطلقوا عليها (النواسخ)، ووضعوا فيها باب (كان وكاد وأعلم وظنَّ وإنَّ وأخواتها) ، و(ما وإنْ ولا ولات) المشبهات بليس و(لا) النافية للجنس.
ففكرةَ النسخ من الأفكار التي كان لها أثرٌ كبير على الفكر النحوي وعلى بنية الجملة العربية سواء أكان ذلك في الجانب المعنوي للجملة أم في الجانب التركيبي؛ وذلك بدخول أفعال أو حروف معينة على الجملة الاسمية تغيُّر من تركيب الجملة وأحكامها فتحوَّلها من جملة اسمية إلى جملة فعلية لها اسم وخبر، فتتحوَّل الجملة إلى جملة أخرى وتنسخ هذه الأفعال أو الحروف ما كان لها من أحكام وتعطيها أحكاماً جديدة في ضوء أثرِ العامل الجديد الذي دخل على الجملة لتكوَّن جملة جديدة مختلفة عن سابقتها ولها دلالات مختلفة.
وما كان لهذه الأفكار أن يكون لها وجودٌ لولا تمسك النحويون بنظرية العامل وبناء النحو في ضوء هذه النظرية التي قادتهم إلى القول بهذه الأمور والقواعد والأصول التي وساروا عليها زمنا طويلاً .
ونتيجة لذلك وجدنا النحويين اختلفوا في الكثير من المسائل المتعلقة بهذه الأبواب نتيجة عدم فهمهم الصحيح لهذه الأبواب وجعلها تدور في فلك فكرة النسخ، فمن المسائل التي اختلف فيها النحويون في موضوعات نواسخ الابتداء:
1- الخلاف في ناصب خبر (كان وأخواتها).
2- الخلاف في ناصب اسم إنَّ وأخواتها.
3- الخلاف في ناصب ثاني مفعولي ظنَّ وأخواتها.
4- الخلاف في رافع خبر إنَّ وأخواتها واسم كان وأخواتها.
5- الخلاف في العامل في الخبر بعد ( ما) النافية النصب.
ولنأخذ مثلا مسألة: (الخلاف في ناصب خبر (كان وأخواتها) وثاني مفعولي ظننت).
إذ ذهب الكوفيون إلى أنَّ خبر (كان) والمفعول الثاني لـ (ظن) نصب على الحال؛ لأنَّ كان فعل غير متعدٍ، فالمنصوب بعده يكون على الحالية، في حين ذهب البصريون إلى أنَّه منصوب على المفعولية لا على الحال. واحتجُّوا بأنَّهما يقعان ضميراً في نحو: (كنَّاهم، وإذا لم نَكُنْهُم)، والضمائر لا تقع أحوالاً بحال، وإذا امتنع كون المنصوب بعده حالاً وجب نصبه على المفعولية،وغير ذلك كثير من الحجج المنطقية التي أغرق المتأخرون فيها لتعليل صحَّة ما يذهبون إليه.
ومن المسائل التي ثار فيها خلاف كبير بين قدماء المذهبين البصري والكوفي، وتناولها أصحاب التيسير بالتفسير والنقد، مسألة: (الخلاف في ناصب اسم إنَّ وأخواتها).
إذ ذهب النحويون القدماء إلى أنَّ (إنَّ) نصبت الاسم فأنزلته من مرتبة الرفع التي هي مرتبة الإسناد إلى مرتبة النصب ذلك أنَّها أشبهت فعلاً متعدياً تقدَّم مفعوله على فاعله.
هذا هو أساس الإشكال الكبير بين النحويين، والسبب معروف هو (نظرية العامل) هل من الممكن أنْ يهبط المبتدأ أو الخبر في المسائل الأخرى من مرتبة الرفع الذي هو علم الإسناد أو الفاعلية إلى مرتبة النصب الذي هو علم المفعولية؟ وهل يجوز أنْ يكون الموقع الإعرابي الواحد مرفوعاً ومنصوباً في الوقت نفسه؟ كيف يكون المبتدأُ مرفوعاً ويكون هنا منصوباً في حالة دخول إنَّ وأخواتها عليه !؟ المحدثون من أصحاب التيسير حاولوا تفسير هذه الحالة وهو مجيء اسم إنَّ منصوباً لكنَّنا لا نجد تفسيراً متفقاً عليه، وإنَّما اختلف المحدثون أيضاً في تفسير هذه الحالة وسبب مجيء اسم إنَّ منصوباً، فاصطدموا به عند تفسيرهم لدلالة علامات الإعراب وإقرارهم بأنَّ الضمة علامة الإسناد، وفكَّروا في مجيء اسم إنَّ منصوباً وهو مسند إليه وحاولوا تفسير ذلك، فذهب إبراهيم مصطفى إلى أنَّ كثرة اتصال (إنَّ) بضمير النصب جعل العرب يتوهمون أنَّ الموضع موضع نصب فلما جاء الاسم الظاهر بعده نصبوه.
وحاول د. أحمد عبد الستار إيجاد علَّة مناسبة لمجيء اسم إنَّ منصوباً فذهب إلى أنَّ اسم (إنَّ) لم يتجرَّد للإسناد بنفسه، وإنَّما استعان عليه بالأداة (إنَّ)؛ لذلك هبط من مرتبة الرفع إلى مرتبة أدنى منه وهو النصب.
في حين ذهب د. مهدي المخزومي إلى أنَّ (إنَّ) واسمها بمنزلة المركب؛ لذلك يبنى على الفتح ويأخذ علامة الجزء الثاني من المركب.
فهذا الخلاف الذي نراه بين القدماء والمحدثين في تفسير هذه الحالة الإعرابية ما هو إلَّا نتيجة الفهم الخاطئ لمسألة النسخ أصلاً، وكون وجود أدوات أو أفعال تدخل على الجملة تغير من حكمها معنوياً وشكلاً - من حيث الإعراب- .
ولذلك كان لابُدَّ لنا من أنْ نحاول تفسير فكرة النسخ التي أثَّرت في الفكر النحوي أيَّما تأثير للخروج بنتيجة يتفق مع واقع اللغة العربية، ومن أجل ذلك لابدُ لنا من أن نسألَ: هل من الصحيح دخولُ أفعالٍ وحروفٍ على الجملة المكوَّنة من المسند والمسند إليه وتُغيِّر أحكامها، فترفع وتنصب المبتدأ أو الخبر؟ وهل كان العربي الفصيح يقوم بهذه العملية المعقَّدة للتعبير عن معنىً من المعاني !؟
أقول: إنَّ أساليب التعبير في اللغة العربية عن المعنى الواحد متعددة إذ يمكن التعبير عن معنًى معيَّن بأكثر من أسلوب، فالمتكلم العربي عندما يريد أنْ يعبِّرَ عن إزهار الشجر أو إشراق الشمس مثلاً وإثبات هذه الحقيقة يقوم في ذهنه بعمليات عقلية يمكن أنْ تفسَّرَ بعمليتين أساسيتين: إحداهما تحليلية، والأخرى تركيبية، فالعملية الأولى (التحليلية) يميِّز بها العقل بين عدد معيَّن من العناصر التي تنشأ بينها علاقة معيَّنة، كالتي تنشأ بين (الشجرة) و (الإزهار)، أو (الشمس) و (الإشراق). أمَّا العملية الثانية: (التركيب) فهي التي يركب بها العقل أو يؤلف بين هذه العناصر المختلفة ليكوَّن ما يسمى في الاصطلاح بـ (الصورة اللفظية) للعبارة أو الجملة، وهكذا تولِّد هذه العملية آخر الأمر عبارة: (الشجرةُ مزهرةٌ)، و (الشمسُ مشرقةٌ).
هذه في حال أراد المتكلم التعبير عن حقيقة معينة، فالعملية الداخلية تحصل كما أوضحتُ، فيقول مثلاً: (الطفلُ نائمٌ)، أمَّا إذا أراد التعبير عن حصول الحدث في الزمن الماضي، فسيأتي بأسلوب مختلف ويقول: (كان الطفلُ نائماً)، وإذا أراد تأكيد الحدث، يقول: (إنَّ الطفل َ نائمٌ) ، وإذا كان الجوُ ممطراً وأراد التعبير عمَّا يتمنَّاه من إشراق الشمس، يقول: (ليت الشمسَ مشرقةُ)، وهكذا الأمر في سائر الأفعال والحروف، إذاً فطرائق التعبير عن المعاني مختلف بطبيعة الحال؛ لاختلاف الأساليب، فالمتكلم لا يلجأ إلى جملة المبتدأ والخبر ويقوم بإجراء تغيير فيها بنصب الأول ورفع الثاني من أجل التعبير عن معنى التمني أو الترجي أو التشبيه أو تأكيدِ حقيقة من الحقائق، وإنَّما إذا أراد التعبير عن التمني فهناك أسلوب خاص له متعارف عليه بينهم وهو (أسلوب التمني)، وله أفعاله الخاصَّة، وإذا أراد تأكيد وإثبات حقيقة معينة فهناك أسلوب متعارف عليه بينهم في ذلك وهو (أسلوب التوكيد).
فمن الأجدر لنا أن نقول: إنَّ هذه النواسخ ما هي إلَّا أساليبٌ معينةٌ للتعبير عن معانٍ يعبَّر عنها المتكلم عن قصده، متكوَّنة من أداة وبعدها اسم منصوب واسم مرفوع، أو فعل وبعده اسم مرفوع واسم منصوب، أو فعل بعده اسم مرفوع واسمان منصوبان ولا معنى للجمع بينها في باب واحد على أساس العمل.
وما تجدر إليه الإشارة أنَّ لكلِّ فعلٍ من هذه الأفعال، ولكل حرف من الحروف المشبهة بالفعل التي أسموها بالنواسخ دلالة خاصة ولا يجمع بينها أي جامع سوى الإعراب، فجمعوا الأفعال والأدوات المتشابه ما بعدها في الإعراب في باب واحد، على الرغم من اختلاف كل فعل من الأفعال الناسخة وكل حرف من الحروف المشبهة دلالةً واستعمالاً، فكان وأخواتها أفعال تزيد على الجملة الزمن، فتدلُّ كان على الماضي، وأمسى، وأصبح، وأضحى، وظلَّ، وبات تدلُّ على الوجود في المساء والصباح ووقت الضحى والنهار والليل، وصار تدلُّ على التحويل من صفة إلى صفة، وليس تدلُّ على نفي الحال أو مطلق النفي عند التقييد...وهكذا، فليست هذه الأفعال بمنزلة واحدة، لا في الدلالة ولا في الاستعمال، ولا جامع لها إلَّا ما لاحظوه من شبهٍ فيما يأتي بعدها، فهي تشترك في أنْ يليها مرفوع ومنصوب ... وليس هذا بالعذر، ولا هو بالمصحح لما قاموا به، وأرسلوه إرسال المسلَّم به.
أمَّا (كاد وأخواتها) فتفيد أفعالها معنى المقاربة، أو الرجاء،أو الشروع، أمَّا (ظنَّ وأخواتها) فأفعالها تفيد اليقين أو الرجحان أو التحويل، أمَّا (إنَّ وأخواتها) ف(إنَّ وأنَّ) تدلَّان على التوكيد، و(لكن) تدلُّ على الاستدراك، و(كأنَّ) تدلُّ على التشبيه، و(ليت) تدلُّ على التمني، و(لعلَّ) تدلُّ على الترجي. فلا شيء يجمع هذه الأفعال والأدوات سوى الشبه الشكلي فيما بعدها من حيث العمل.
هذا ما لاحظه الباحثون المحدثون في هذا الجمع الشكلي لهذه الأفعال والأدوات في أبواب لا يجمعها سوى العمل، فدعوا إلى ضرورة حذف هذه الأبواب من الدرس النحوي، ودراسة كل أداة من هذه الأدوات وجمعها في بابها الخاص بها، فذهب بعضهم منهم د. شوقي ضيف ود. إبراهيم مصطفى إلى إلغاء دراسة باب النواسخ (كان وأخواتها، وكاد وأخواتها وإنَّ وأخواتها، وظنَّ وأخواتها) وما يتعلَّق بها من مشبهات ( ما ولا ولات المشبهات بليس) وحذفها من أبواب النحو لما فيها من تكثير للأقسام دون أي جدوى، فذهب د. شوقي ضيف وبعض أصحاب محاولات التيسير إلى ضم باب (كان وأخواتها) ودراستها في ضمن باب الأفعال اللازمة، وعدَّ الاسم المنصوب حالاً، في حين ذهبت لجنة مجمع اللغة العربية في القاهرة إلى تسمية باب (كان وأخواتها) بـ (أفعال التوقيت) ترفع فاعلاً وتنصب مفعولاً به، أمَّا باب (كاد وأخواتها)، وباب (ظنَّ وأخواتها)، وباب (أعلم وأخواتها) فذهب د. شوقي ضيف إلى ضمها إلى باب المفعول به.
ولذلك نرى أنَّ الدراسة الفضلى هي دراسة الأفعال والأدوات بحسب معنى كلٍّ منها في الأسلوب المناسب لها، فتُدرس (ليس) و(ما ولا وإن ولات) المشبهات بليس، و(لا) النافية للجنس في أسلوب النفي ، ودراسة (إنَّ، وأنَّ) في أسلوب التوكيد
أرى أن يدرس كلٌّ من ( ليت ولعلَّ) ضمن أسلوب الطلب، وتدرس (كأنَّ) مع أدوات التشبيه، وأن تدرس كان وأخواتها لدلالتها على الزمن المطلق أو المقيَّد أو المستمر مع الأبنية أو التراكيب الزمنية في النحو العربي.
بذلك تكون هذه الدراسات قد خلَّصت النحو العربي من أبواب زائدة على النحو العربي ما كان ليكون لها وجود لولا نظرية العامل، ووضعها في مكانها الصحيح من الدراسةِ.
إذاً ففكرة النسخ فكرة غير صحيحة دخيلة على الفكر النحوي أسهمت في تداخل أبوابها بجامع الإعراب؛ لذلك لا بدَّ من تصحيح هذه الفكرة وإزالتها من الفكر النحوي. وتفسير هذه الأبواب بأنَّها أساليب وطرائق مختلفة من التعبير يختار المتكلم منها ما يتناسب وقصده .
وبإلغاء نظرية العامل في ضوء دعوة ابن مضاء ومطالبة المحدثين من أصحاب التيسير بإلغاء هذه النظرية والالتفات إلى الجانب المعنوي في الدراسات النحوية نكون قد أزلنا عبئاً كبيراً عن كاهل النحو العربي والنحويين، ودراسة النحو العربي في ضوء (النحو القرآني) نكون قد أعدنا النحو إلى مساره الصحيح وأزلنا الشوائب التي علقت بها نتيجة فرض العامل الفلسفي سيطرته على التفكير النحوي .
الرجوع الى أعلى الصفحة
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى